أما أبو المطرف فقد عدل عن كل ذلك إلى القول الهادي والأسلوب المقنع حين ذكر أن هذه الأرض ذات الأنهار الجارية الخمائل المخضرة والمغاني الساحرة والهواء النقي هي ملاعب صبانا ومراتع لهونا ومنابت رزقنا، وهي من أجل ذلك واجب علينا البقاء فيها والدفاع عنها، وبهذه الجمل الهادئات الهامسات ينجح الشاعر في إقناع هؤلاء الفارين النازحين بالبقاء في ديارهم والعيش على أرضهم ودفع العدو المغير حتى لا تثبت أقدامه فيها، وتمتد يده إلى ما سواها.
ونحن نعلم أنه عندما سقطت طليطلة في يد الأسبان ظهرت دعوة تنادي إلى شد الرحال والهجرة إلى خارج الأندلس من ذلك ما قاله ابن العسال:
فما المقام بها إلا من الغلط
حثوا رحالكم يا أهل أندلس
سلك الجزيرة منثورا من الوسط
السلك ينثر من أطرافه وأرى
كيف الحياة مع الحيات في سفط [11]
من جاور الشر لا يأمن بوائقه
وقد تصدى الشعر لهذه الدعوة فحاربها، وبين سوء عاقبتها وعظيم مخاطرها من ذلك هذه الأبيات الرائية التي استغل الشاعر فيها العاطفة الوطنية ومازال يبدئ فيها ويعيد، ويعزف على هذا الوتر الحساس تكثيفاً للعاطفة وإثارة للحمية حتى يقنع هؤلاء النازحين بالرجوع إلى ديارهم والبقاء فيها، فذلك أحفظ لكرامتهم، وأحمى لحوزتهم.
ومن شعر المقاومة الشعر الذي تطلع إلى قائد ينهض بالأمة من كبوتها، ويخلصها من محنتها، ويدفع عنها وبها كيد عدوها. يقول بعضهم:
به مما نحاذر نستجير
ألا رجل له رأي أصيل
وأين بنا إذا ولت كرور
يكر إذا السيوف تناولته
يقول الرمح ما هذا الخطير
ويطعن بالقنا الخطار حتى
بأندلس قتيل أو أسير
عظيم أن يكون الناس طراً
على أن يقرع البيض الذكور
أذكر بالقراع الليث حرصاً
لخطب منه تنخسف البدور
يبادر خرقها قبل اتساع
إذا ضاقت بما تلقى الصدور [12]