في صدر الفصل الخاص بالتبشير والاستعمار مثلا يقف المؤلف على عمل المستشرقين في تمجيد ما يسمونه (التصوف الإسلامي) لقربه في زعمهم من المفهومات المسيحية (فهم لذلك يسوغون عقيدة الحلول والفناء عند الصوفية التي تدعوا إلى الرهبنة والانعزال والهروب من مشاكل الحياة، وصرف المسلمين عن فكرة الجهاد) [1] ومع أن المؤلف لم يطل وقفته هناك، فقد قدح بها رغبة القارئ في تتبع مجاري هذه المكيدة الاستشراقية، ليرى مدى نجاحها في استهواء العديد من طلابهم المسلمين، ودفعهم إلى التشبث بهذه الانحرافات، بعد أن تمكنوا من الاستحواذ على إعجابهم، فعادوا إلى مواطنهم يبثون في قلوب العامة وأشباههم هاتيك السموم، ويتعهدون تغذيتها بكل ما أوتوا من طاقة ونشاط..
ويتبع المؤلف آثار المستشرقين والمبشرين في أوساط البعثات التعليمية (التي عادت محملة بخمائر المذهبيات الأوربية..) وراحت تحقق أغراضهم في بث الخلافات الايديولوجية التي صدعت الشمل، ونشرت بذور التشكيك. وضرب على ذلك مثلا بطه حسين الذي حمل دعوة هؤلاء الشياطين للانفصال عن الإسلام، والاندماج في بناء الحضارة الغربية بعُجَرَها وبُجَرها.. ثم يخص بالذكر الشيخ علي عبد الرزاق، الذي يعرضه كعينة لما يمكن لعدوى الاستشراق والتبشير أن تعمله حتى في أفكار بعض علماء الدين. وينقل هنا رأي الدكتور محمد البهي في نقد كتاب هذا الشيخ (الإسلام وأصول الحكم) ومهاجمته فيما حواه حيث يلخص مضمونه بأنه دعوة صريحة لتهديم النظام الإسلامي بإبطال الجهاد، واعتبار الشخصية الجماعية في الإسلام قد انتهى أمرها بوفاة صاحب الرسالة {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} .