وتشجيع الرسول صلى الله عليه وسلم لكعب بن زهير دليل عملي على تشجيعه ومكافأته صلى الله عليه وسلم للشعراء المسلمين. أما تنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن كونه شاعرا في قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} فلأن طبيعة الرسالة تأبى الشعر، إذْ لو كان الرسول شاعراً لنسب العرب فضيلته، وحجته البالغة إلى تأثير الشعر، لا إلى فضل الرسالة، ولا يكون إذ ذاك الكلام الذي يلقى إليه وحيا من عند الله، بل إلهاما من شيطان الشعر، ولأمر ما كانت الحكمة في أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما روى بيت شعر كاملا [22] صحيح الوزن، وإذا وردت بعض الأبيات – إذا صحت روايتها - صحيحة فهي إلى النثر أقرب منها إلى الشعر [23] .
وقد ذكر السيوطي تعليلا له وجهته في سبب تنزيه الرسول عن قول الشعر فقال: "إنّ علماء العروض مجمعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض، وصناعة الإيقاع إلا أنّ صناعة الإيقاع تقسيم الزمان بالنغم، وصناعة العروض تقسيم الزمان بالحروف المسموعة، فلمّا كان الشعر ذا ميزان يناسب الإيقاع، والإيقاع ضرب من الملاهي لم يصلح ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم [24] .
ومما تقدم يتضح لنا موقف الإسلام من الشعر، الأمر الذي انعكس على النقد فبدا المقياس الديني معياراً جديداً في هذه المرحلة..
وقد أسهم الخلفاء الراشدون في إرساء هذا المقياس الديني في النقد الأدبي وترسيخه فها هو أبو بكر الصديق يثني على لبيد حين قال:
ألا كُلُّ شَيءٍ ما خَلا الله باطِل
فقال الصديق له: "صدقت! "ولّما قال لبيد:
وكُلُّ نعيم لا محالةَ زَائِلُ.
قال الصديق: "كَذَبْتَ! عند الله نعيمٌ لا يزولُ" [25]