وكذلك صنع عمر بن الخطاب، فقد نعت زهير بن أبي سُلْمى الشاعر الجاهلي بقوله: "كان لا يُماطل بَيْن القولِ، ولا يَتّبع حُوش الكلام, ولا يَمدَحُ الرَّجلَ إلا بما هُوَ فيه".
وهذا الوصف من عمر يعني أنه قرأ شعر زهير كله, قراءة تدبر وتأمل, حتى جاء حكمه هذا الموضوعي عليه.
وإذا كان ابن الخطاب قد أعجب بزهير، لتجنّبه المبالغة في المدح، وهو خلق إسلامي محمود, فإنه لا يعطي الجائزة لسُحيم عَبْد بني الحماس, وكان عبدا حبشيا، حين أنشده:
كَفىَ الشَّيْبُ والإسلامُ للمْرء ناهِيا
عُمَيْرَة وَدِّعْ إنْ تَجَهَّزْتَ غَاديا
فقال عمر له "لو كنت قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك"فقال سحيم: "ما سَعَرْتُ: أي ما شَعَرْت" [26] .
وهكذا أظهر المعيار الديني في النقد، وبدا معه مقياس آخر ينبذ التكلف، ويرفض التعسف، ويؤثر الطبع فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ينعى على الثرثارين المتفقهين المتشدقين، قائلا: "إنّ أحبكم إليّ، وأقربكم منى في الآخرة محاسنكم أخلاقا، وإنّ أبغضكم إليّ وأبعدكم منى في الآخرة مساويكم أخلاقا: الثرثارون المتفقهون المتشدقون" رواه أحمد [27] .
وكذلك فعل الإمام على حين قال: "الإيمان أن تؤثر الصِّدْق حيث يضرُّك على الكذب حيث ينفعك، وألا تكون في حديثك فضل عن عملك، وأن تتقي الله في حديث غيرك" [28]
ولقد التزم الشعراء الإسلاميون بهذه التوجيهات الرشيدة، وتلك التعاليم السديدة، فسهلت عبارتهم، ووضحت فكرتهم، حتى رموا باللين والضعف!!.
أيها الاخوة.. أيها الأبناء: