ولعلك - يا لحيتي العزيزة - لم تنسَى ما كان في مطار عمان حين سألتني موظفة المكتب: أتعرف القراءة والكتابة، فقلت مستغربا! نعم، قالت: املأ هذه البطاقة, فأخرجت من جيبي قلما، ثم رأتني أكتب به.
أعطيت تلك الموظفة البطاقة، ومضيت بك يا لحيتي إلى قاعة المغادرين، وقبل أن يطمئن بنا المجلس همست في آذانك مغاضبا: أرأيت تلك الموظفة وما صنعت! تظنني أمياً لا أعرف القراءة والكتابة, وأنا الذي أعلم الناس القراءة والكتابة منذ ثلاثين عاما!!.
ألم تكوني أنت سبب ذلك الظن الذي أهان وأوجع؟! رأتك في وجهي بيضاء كالثغام، فظنتني من مواليد القرن الماضي أيام لم يكن هناك مدارس تعلّم ولا تلاميذ يتعلمون.
أراك تهمسين في أذني وتقولين: أنت يا صاحبي تحملني دائما أسباب ما تلقى من عناء وهوان، دعني إذن أحتال لنفسي وأدرأ عنها أسباب هوانك وعنائك، دعني أخدع الناس وأرتدي لهم ثوبا يحبون، ردّني سوداء في لون الشباب والقوة لأعيش مرة أخرى غضة بضة، ولأجلوك أنت للناس فتيا قويا لا تسمع منهم ما تكره، ولا تلاقي ما تراه يزري ويشين، وما عليك في هذا من تثريب، أليست هذه هي السنة؟ أو لا يكون في هذا اتباع للسنن؟
يا لله مما تقولين أيتها اللحية: السنة, إنما تكون سنة حين يراد بها وجه الله والدار الآخرة، أما السنة التي يراد بها الناس وعرض الدنيا فليست تزن عند الله جناح بعوضة، إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فلا تكذِبي على الله وأنت تعلمين.
ابقي يا عزيزتي بيضاء كما صيّرك الله، لا أريدك سوداء ولا شقراء ولا حمراء، ولا أريد أن تتلوني تبعا لأهواء الناس، ولا أن تطوري طمعا في مرضاتهم، ها أنت ذي في صبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة.
لتبقى هكذا ولينادني الناس أي نداء يريدون، لتبقى هكذا وليدعني الناس أي دعاء يشاءون، أنت في هذا البياض أعظم مهابة في الأعين، وأشد حراسة حين لا تكون هناك عيون.