أرجو ألا يضيق صدرك إذا قلت لك: إنك قد جلبت عليّ كثيراً من المشكلات وجنيت عليّ كثيراً من الجرائر، فقبل أن عرفتك كان الناس يقولون لي: يا أيها الفتى.. ويا أيها الشاب، وينادونني نداءات أخرى كثيرة تبعث الحياة وتثير العزائم، أما بعد أن عرفتك ورأيت منك هذه الحلة البيضاء التي تلبسين فلم أعد أسمع إلا ما أكره، لم أعد أسمع إلا يا شائب ويا عمّ ويا جدّ وغير ذلك مما يشعرني بالضعف والعجز، ويذكّرني قرب الأجل، ويريني شبح الموت.

لعلك تعجبين من شأني وتقولين: أليست هذه هي الحقيقة؟! بلى، هذه هي الحقيقة لا ريب ولا كذب، ولكنك إذا قلتِ للطالب الراسب يا راسب، وإذا قلت للرجل المتكبّر يا متكبّر، وللتاجر الظالم يا ظالم، أفتظنين هؤلاء جميعا يرضون بما نودوا به؟!.

إنّ للألفاظ – يا عزيزتي - ظلالا وطعوما تحملها بين حروفها ووراء أصواتها قد تجهلينها ولا تدركين، وإنّ كثيراً من التجارب لا يستطيع المرء أن يحسّها تمام الإحساس ولا أن يتذوّقها كل التذوّق إلا بعد أن تمرّ به ويمرّ بها.

قبل أن عرفتك حين لم يطرّ شاربي ولم ينبت على عارضيّ شعر كنت أقرأ في كتاب لا أذكر اسمه الآن:

لي اسم فلا أدعى به وهو أول

دعاني الغواني عمهن وخلتني

فأعجب للشاعر وأقول: غريب أمر هذا الرجل، الفتيات الحسان ينادينه يا عمّ تكريما وتجلّة، فإذا هو غاصب يستنكر ويقول لي اسم معروف من قبل يا عم، فلم لا أنادى به؟!.

وظللت على عجبي الساذج ذاك إلى أن عرفتك يا لحيتي العزيزة، وصرت أنادى بما كان ينادى به النمر بن تولب العكلي.

معذرة أيها ذا الشاعر! لقد ظلمتك هذه السنوات الطويلة، فلم أحس إحساسك ولم أذق طعم حسراتك وأنت تسمع العذارى ينادينك - وقد رأين الشيب لاح بعارضيك - يا عمّ، متناسيات اسمك الأول اسم الشباب والفتوة والقوة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015