رسائل لم يحملها البريد
لفضيلة الشيخ عبد الرؤوف اللبدي
لحيتي العزيزة:
ليست هذه الرسالة التي أكتبها إليك رسالة أشواق وشكاة من أيام فراق، فرسائل الشوق والحنين إنما تكون بين المحبين إذا تباعدت بهم الأمكنة، وتطاول على فراقهم الأزمنة.
وأنا وأنت - كما تشاهدين - نعيش معا جننا إلى جنب، لم يتفرق بنا مكان ولم يتطاول على نأينا زمان، على أنّ العلاقات التي بيننا ليست علاقات ودّ وإخاء، وإنما هي علاقات ظلم واعتداء, فأنا أحمل السلاح كل صباح وأغير على حدودك الطبيعية أجتاح منها ما أشاء وأدع منها ما أشاء، أجاوز ذلك أحيانا، فأقصّ رؤوسا قد طالت، أجذّ شعيرات شالت.
ولا ريب أنك تعدّين هذا ظلما ظالما واعتداء آثما، ما أظنّكِ تنسينه أبد الدهر, أو تصفحين عنه ذات يوم.
لعلك تتوقعين أن تكون هذه الرسالة رسالة اعتراف بذنب وشعور بإثم وتكلف في معذرة، ولكن هيهات هيهات أن يعترف الظالمون ذات يوم أنهم ظلموا، أو أن يقولوا ذات مرة إنهم ارتكبوا حوبا كبيراً.
الدول القوية ذات السلاح والجند حين تستولي على الشعوب الضعيفة غير ذات الحول والطول، لا تقول لها أريد أن أستعبدك وأن أستغلك وأن أمتص دمك وآكل خيراتك، وإنما تقول لها أريد أن أطوّرك وأن أحضّرك وأن أزيل عنك غبار الجهل والتخلف، وأجعلك تقدمية, تذوقين طعم الحضارة, وتجدين ريح المدينة.
وأنا أقول لك بلغة هؤلاء الأقوياء ومنطق أهل الظلم: معاذ الله يا لحيتي العزيزة أن أكون من المعتدين، فأنا أريد أن أجمّلك وأن أزيّنك وأن أجعلك بين اللحى منسّقة لا يرى الناس فيك عوجا ولا أمتا.
وما أكثر ما تفقد الألفاظ دلالاتها - يا لحيتي العزيزة - وما أكثر ما تفقد الأعمال أسماءها، وأنا أعرف كثيراً من ذلك، ولكنّي لن أقصّه عليك، فهذا شيء لا يعنيني ولا يعنيك وليس هو من موضع هذه الرسالة.