ولقد كان عليه الصلاة والسلام يسعى إلى مجتمعات قريش - وهم أشد أعدائه - ويتحرّى لقاء رؤوسهم ليصارحهم بآرائه, لا تأخذه منهم رهبة, ولا يقيم لجبروتهم وزنا، وإنما كان حريصا عليهم, معنيا بهدايتهم. أَوْلَمَ عقبةُ بن أبي معيط وليمةً دعا إليها رؤوس الكفر وصناديد الشرك، وكان الرجل على فجوره وطغيانه جاراً للرسول عليه الصلاة والسلام, فدعاه فيمن دعاهم فلبَّى الدعوة, ولما صار في دار عقبة ودعي إلى الطعام خاطب عقبة فقال: "لقد أجبت دعوتك ولكن لا آكل لك طعاماً حتى تؤمن بالله"، فنطق عقبة بالشهادة, وانتهى أمر هذه الحادثة إلى أبي بن خلف الجمحي - وكان صديقا لعقبة - فقال له: "وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمداً فلم تطأ عنقه وتلطم وجهه", فلما رأى عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتدى عليه كما أراد خليله, فأنزل الله سبحانه وتعالى في سورة الفرقان {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً} [5] .