ولقد كان من شرِّ الأساليب التي كان الباطل يعمد إليها ويحاول أن يلبس بها على الحق ما كان يفعله النضر بن الحارث من بني عبد الدار؛ لقد كان يجلس قبالة الرسول عليه الصلاة والسلام فإذا رآه يتلو القرآن وينشر أعلام الحق قال للملأ من قومه: "يا معشر قريش هلمُّوا إليَّ فإني أحسن من محمد حديثا"ثم يشرع فيلفِّقُ حديثاً عن ملوك فارس ويقص أقصوصة من أقاصيصهم، وكان النضر لبقاً في هذا الباب لباقة شيطانية, فنزل القرآن الكريم يدمغه ويشهر به ليكون الصورة الواعظة لكل من يشتري الضلالة بالهدى, قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ، وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [6] .
وأخذ المشركون يطاردون الرسول عليه الصلاة والسلام ويبتدعون الأساليب في محاربته ومع ذلك لم تهن قوته، ولم تلن قناته، ولم تضعف عزيمته, وكلما تجمعت السفاهة وتلاقت النزوات كان عليه الصلاة والسلام يناجي ربه: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني؟ إن لم تكن ساخطاً عليّ فلا أبالي".
لم يقف المشركون في عدائهم عند حد, ولا أجملوا يوما في الرد بها, بل كانوا جامحين جموحا جاوز المدى, واتخذوا من العداء العام سبيلا لإنكار حقوق المسلمين, واستباحة أموالهم في استخفاف وتهكم وازدراء.