ولما كانت هذه الرسالة مرسلة إلى الخليفة العباسي والمدح معظمه له، فنستعين بكتاب آخر صادر عن القاضي الفاضل إلى السلطان صلاح الدين في التهنئة بفتح القدس وهذه الفقرة التي نوردها منه في مدح السلطان صلاح الدين، وهي:

"نحن أصدق أفئدة، وأقصر ألسنة أن نتولى شكر مولانا والأولى به الأنبياء الذين أظهر آثارهم، والملائكة الذين روح من سماع الكفر أسرارهم، والإسلام الذي رفع غمامته، وثبت دعامته، ورد إلى داره زعامته، والبيت الحرام الذي فك أخاه من الأسر، ومكان المسرى النبوي الذي كان ينتظر من مولانا مطلع الفجر، وأبواب الرحمة التي فتحها، وكان دونها غلق التاج، والمسجد الأقصى وكان عنه التصريح وإن كان منه المعراج.

فليهن مولانا أنه قد أصبح مولاي ومولى كل مسلم، وأنه قائم بوعد الله للدين القيم، وأنه نور الله الذي أضاء به كل فجر للكفر مظلم، وأن الله أنهضه بما أقعد عنه ملوك الأمم، وحرس به الإسلام في أصلاب رجال العرب والعجم".

فالقاضي الفاضل يقف موقف الشعراء في حيرتهم اللطيفة، التي يبغون من ورائها التعبير عن قصورهم في تأدية الشكر لممدوحهم، والكاتب هنا يقول:

إن السلطان أحق بشكر الأنبياء والملائكة والإسلام والبيت الحرام والمسجد الأقصى، فكل هؤلاء مدينون له بتطهير بيت المقدس من رجس الكافرين والمعتدين. ولهذا فليهنأ السلطان بمكانته كزعيم للمسلمين وبنصره للدين، فهو النور الذي أضاء كل فجر للكفر مظلم، وأنه أتى بما عجز عنه ملوك الأمم، فبه حفظ الله الإسلام في أصلاب رجال العرب والعجم.

والفن الفاضلي يتجلى في أنه جعل للإسلام غمامة يكنى بها عن الاحتلال لأرضه ثم رد السلطان صلاح الدين له زعامته، والبيت الحرام يفك أخاه المسجد الأقصى من الأسر، وما إلى ذلك.

فهذه صور من التشخيص للجمادات والتجسيم للمعنويات التي ذاع صيت القاضي الفاضل في الإتيان بها متلاحقة في هذه الرسالة وفي غيرها من رسائله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015