الثاني: توحيد وجهتهم، ووحدة غايتهم في حياتهم كلها، يرضون ربا واحداً ويطيعونه ويتجهون إليه، فلا انقسام ولا ازدواج ولا صراع، بل وحدة وإخاء وتعاون وصلاح وإصلاح شاملان، عنوا بأجسادهم كما عنوا بأرواحهم، وبذلك حصل التوازن الذي دفع بهم إلى رضا الله في كل عمل، وما كانوا يعبدون في المسجد فقط كما يفعل عباد النصارى في كنائسهم ثم يعبدون غير الله خارجه في صورة قبر أو وثن حي أو ميت، أو نظام أو غيره، بل كانت قلوبهم مشغولة بذكره في كل وقت، وكانت رقابهم لا تنحني لسواه، وكانت رؤوسهم لا تطأطأ إلا له، عنه وحده يتلقون، وإياه وحده يطيعون، فكان يعبدون ربهم حتى في حال سعيهم ومزاولة وظائفهم التي ظاهرها أنها من أمور الدنيا، كالبيع والشراء والنوم والأكل والجماع، ولذلك وقفوا عند حدود الله ولم يعتدوا، فالحلال ما أحله والحرام ما حرمه، والحسن ما حسنه، والقبيح ما قبحه فكانت حياة القوم كلها عبادة، فشمل أرض الله العدل واختفى فيها الظلم، وانتحى الصراع، وبرز الإخاء، فعاش الناس كلهم مسلمهم وكافرهم في ظل التوجيهات الربانية محققة في واقعهم في طمأنينة ورضا، لا يخافون إلا الله، آمنين على أنفسهم وأموالهم وأهليهم، فكانت فترة نادرة في حياة البشرية في تاريخها الطويل، (وليس غريباً على سواهم أن يقتربوا من ذروة واقعهم إذا فهموا فهمهم وطبقوا تطبيقهم) .
فهم عامة الناس لمعنى العبادة اليوم
إذا كان ذلك هو فهم سلفنا الصالح لمعنى العبادة، وهذه هي آثاره، فما نصيب أمة اليوم من هذا الفهم، وما آثار فهمهم؟