أقول: نعم وعلى نفس الأساس والمقياس، فحيثما كانت همة المسلم وشأنه مع ربه كان الفارق بينه ومسلم غيره ألم تقل الآية: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} وحتى أهل صدر الإسلام قالت لهم الآية {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} فالكل في الآيتين وُعِدَ الحسنى وسيضمهم سور الجنة ولكن التمييز داخلها في الدرجات بقدر السبق في الخيرات، وأما عن قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً} فهي درجات الدنيا كي يسخِّر بعضنا بعضاً أي يخدمه ويعينه، وليس المعنى هنا السخرية لأن الآية في معرض المنفعة: فلولا درجات الدنيا ما بني بيت ولا أقيم مصنع، ولا حُصِدَ زرع، فالعامل والممول كلاهما مسخر للآخر ومحتاج إليه، وهذا ما تحدينا به بلاد الإلحاد أن يجعلوا له بديلاً، أما السخرية وهي نوع من التمييز، بل من شر أنواعه لأن الساخر من غيره اعتقد أولا الكمال في نفسه، وأكثر ما يكون من الكافر، وأكثر سخريته من المؤمن، لقوله تعالى {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} وقوله: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً} إذًا فالساخر في الأصل هو الكافر،