يصف أحد المستشرقين اثنين من مساجد العاصمة فيقول: "في عهد العظمة التركية كان المسجد مركزاً اجتماعياً، فمسجد محمد الفاتح مثلا كان على جانبيه كليات وفندق ومستشفى ومركز لتوزيع الطعام، وعلى رابية أخرى كان يربض أوسع المساجد إطلاقاً وهو مسجد سليمان القانوني، الذي كان حوله عشر مؤسسات منها كليات أربع، والمدرسة لم تكن خاصة بالدين، بل كانت وحدة للسكن، وكان المسجد نفسه قاعة للدرس والمحاضرات، وكان بوسعك أن ترى لعهد قريب أساتذة في صحن المسجد خلال الصيف، وفي المسجد نفسه أثناء الشتاء، يدرسون جماعات صغيرة من الطلاب".
بين أمس واليوم:
أجل… إن المسجد لم يفقد حتى اليوم تأثيره في حياة المسلمين فهو لا يزال قائماً لاستقبال المصلين، ولا يخلو في كثير من الأحيان والبلدان من مكتبة صغيرة تمد المسجد بنسخ من كتاب الله للتبرك ببعض التلاوة، وقد تحتوي بعض الكتب الإسلامية الأخرى تبرع بها بعض المحسنين دون تفريق بين النافع منها وغير النافع.
على أن قليلا من التأمل في أوضاعها على ضوء الغاية العليا التي من أجلها وجد المسجد في الإسلام يؤكد لنا أن ثمة فجوة هائلة تفصل بين مسجد اليوم ومسجد الأمس.. لا من حيث بناؤه وشكله وأثاثه، فقد توافر لمسجد اليوم من ذلك الشيء الكثير، ولكن من حيث الروح الذي يجب أن يهيمن على واقعه فيجعل منه منطلق حياة وتكوين وتوجيه.