أما الجانب التعليمي من حياة المسجد فلا يزال من أبرز مقوماته بعد الصلاة، على الرغم من كل العوائق التي اعترضت طريق الإسلام، وبخاصة في أيامنا هذه، وقلما ترى مسجدا في قرية أو مدينة لا يقوم فيه مدرس أو مدرسون، أو مقرئون يعلمون صغار المسلمين كتاب الله حتى الساعة.

إنها بقية من ماض مجيد، كان المسجد فيه يتخذ صفة الجامعة الشعبية مفتحة الأبواب لكل راغب في المعرفة، لا تقيده بدوام، ولا تفرض عليه مادة دون أخرى، بل تفتح لمواهبه سبيل الانتخاب الطبيعي، فينتقل من حلقة إلى أخرى، حتى يستقر في الاتجاه الذي يتلاءم مع استعداده، وبهذه الطريقة أتيح للمسجد أن يخرج أكبر العباقرة الذين تسنموا مقاعد الإمامة في الدنيا والدين..

ولقد زاحمت المدارس والجامعات النظامية مدرسي المساجد منذ مطلع العصر العباسي، ولكن المسجد لم يتخل عن مهمته لها، بل جعل يضاعف من نشاطه بإزاء ما واجه المسلمين من البدع والفتن والمذاهب التي أحدثتها الفلسفات الوثنية فكان كطوف النجاة وسط الخضم الهائج يفند الباطل، ويدعم الحق، ويعلى رايته فوق كل راية..

ولعل عهود المماليك كانت أحفل عهود الإسلام بالنشاط المسجدي في الشام ومصر، إذ أقبلوا يتنافسون على عمران المساجد، والتفنن في رعايتها وتقويتها، فكان لكل مسجد جامع ملحقاته من الحجرات والمكتبات، يأوي إليها أهل العلم من طلبة وأساتذة فتجري عليهم المساعدات السخية الثابتة لتوفر لهم العيش الكريم، فلا ينصرفوا عن العلم إلى البحث عن الخبز.

وما كاد المسجد يفقد بعض مميزاته في عهود الدول المتتابعة حتى أطل بوجهه الجديد من عاصمة الخلافة العثمانية، يحيي ما اندرس أو كاد يندرس من نشاطه المبارك في خدمة المجتمع المسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015