لقد جرد المسجد الحديث من الطاقات التي تمكنه من العمل في بناء الفكر والقلب وتصحيح المفهومات الخاطئة، فقلما نجد على منبره الخطيب المزود بسلاح العلم الواسع، وإذا وجد فقلما تجد لديه الإخلاص الذي يجعل الحق أعلى وأغلى في قلبه من الحياة- إلا من رحم الله- لقد سيطر الرعب على خطيب المسجد ومدرسه وضاقت في أعينهما سبل الرزق، فلا يريان سبيلا للوصول إليه إلا بإرضاء المتسلطين على مرافق الحياة، ممن لا يقيم وزنا لدين الله ولا يعرف حقا لشريعة الله.. ويكاد أن يكون هذا هو واقع المسجد في معظم ديار المسلمين، إلا من رحم الله..
ولا عجب في ذلك ما دام المسلمون في تلك الأقطار محكومين بغير نظام الإسلام، فكل محاولة لتوعية المصلين، وتزويدهم بحقائق دينهم ستصطدم برغبات المخالفين لها من أصحاب السلطان وأعوانهم، ممن باعوا أنفسهم للشيطان بأبخس الأثمان..
فكيف إذا أخذنا بعين الاعتبار نوعية الخطباء والمدرسين الذين يقع اختيار أولئك المتسلطين عليهم، حيث يكونون من المرتزقة الذين لا يهمهم إلا منافعهم العابرة، فلا يتورعون عن أن يجعلوا الحق باطلاً والباطل حقاً، والظالم عادلا والصالح باغيا..
التطور المدمر:
إن الإسلام في توكيده على عمران المساجد إنما يستهدف من ذلك توفير وسائل التوعية الدائمة التي لا مندوحة عنها لإقامة المجتمع الصالح.. المجتمع الذي يعرف كل فرد منه ماله وما عليه، ذلك لأن الجماعة المسلمة هي المادة التي منها تتكون دولة الإسلام، وهي القاعدة التي عليها ترتكز، وإذا كانت وظيفة المجتمع المسلم _شعباً ودولة _ هي تبليغ رسالة الله وإقامة الحكم الأفضل، فطبيعي أن يجد هذا المجتمع من الرعاية والحرية ما يمكنه من تحقيق واجبه في الاستعداد للنهوض بأعباء هذه الرسالة في نفسه أولا، ثم في أوساط الشعوب الأخرى ثانياً..