ثانيا: إن القرآن الكريم أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم آيات على حسب الحاجة والوقائع لحكمة سابقة، فكان أمين الوحي "جبريل عليه السلام"ينزل بالآيات على الرسول ويعلمه أنها تكتب عقب آية كذا في سورة كذا، وكان صلى الله عليه وسلم يبلغ كل ما ينزل عليه تباعا للناس كافة، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة: من الآية67) وقوله تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ} (المائدة: من الآية99) . فكان ترتيب الآيات في سورها ترتيبا توقيفيا من جبريل عليه السلام عن رب العالمين، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن في الصلاة وغيرها بالترتيب التوقيفي ويعلمه الناس حتى يقرءوا القرآن به، وكانت الآيات تكتب بأمره صلى الله عليه وسلم على هذا الترتيب التوقيفي، وقد جمع الصحابة القرآن بعده صلى الله عليه وسلم مرتبا هذا الترتيب لم يقدم فيه مؤخر ولم يؤخر فيه مقدم، ودلت الأحاديث على أن القرآن في اللوح المحفوظ ثابت على هذا الترتيب، وهو ترتيب إلهي لا يجوز مخالفته إجماعا.
وكذلك ترتيب السور توقيفي على ما رجحه الأئمة الأعلام، لا يجوز تأخير مقدم ولا تقديم مؤخر في سور القرآن، وهو على هذا الترتيب في اللوح المحفوظ كما نصوا عليه.
وممن نص على أن ترتيب الآيات في سورها توقيفي لا يجوز مخالفته بحال الإمام الزركشي في البرهان، والإمام أبو جعفر بن الزبير في مناسباته فقالا: "إن ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره به من غير خلاف بين المسلمين فيه".