وثمة أسباب للرعب، منها متابعة الغزو في بلاد العدو حتى لا يعرف منا إلا البأس الشديد والنكال الوفاق، فيتهيب إقدامنا ويهزمه الخوف قبل أن يلقى المقاتلة، وفي هذا قصد في الخسائر وكسب في المغانم وتحدثنا كتب السيرة عن الغزوات العديدة المتلاحقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون بين الغزوة والغزوة إلا الأشهر القليلة، وإذا كانت طبيعة الدعوة اقتضت تتابع الغزو زمن الرسول صلى الله عليه وسلم فإن المسلمين صبروا على هذه السنة بضعة قرون ولما أغمدوا السيوف وانقطع والغزو جاءهم العدو من كل مكان إذ لم يبق لهم صيت مرعب.
ومنها التسلح الأتم والاستعداد العسكري الأوفى، وقد نصت على ذلك الآية في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [66]
فإن العدة مصدر لا يستهان به من مصادر الرهبة، وقد أمر المسلمون باستكمالها، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجعل ما زاد عن نفقة أهله في السلاح، وحين أفاء الله عليه من أموال بني قريظة بعث بسبايا منهم وبأموال إلى نجد ليشتري بها خيل للمسلمين ذلك أن المسلمين لا ينبغي لهم أن يسمحوا لعدوهم أن يفوقهم في درجة الاستعداد العسكري، وعليهم أن يسابقوه إلى التسلح لتبقى رهبتهم في قلبه وعليهم أن يجدوا في ابتكار الوسائل والمخترعات التي تقرب النصر، وتوفر على المسلمين العناء والخسارة كان الخندق الذي احتفره الرسول والمؤمنون في غزوة الأحزاب حول المدينة تخطيطا عسكريا فوجئ به العرب-وكان سلمان الفارسي قد أشار بحفره-حتى زعم بعض المشركين أن هذا الخندق هو الذي ردهم على أعقابهم:
لدمرنا عليهم اجمعينا [67]
لولا خندق كانوا لديه