ولقد عاتب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عندما إذن لهم في الخروج معه إلى تبوك فلم يتجاوزوا ثنيات الوداع من المدينة فقال: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [59] فأعلمنا إن استبعادهم من صفوف الجند واجب لما له من ضرر بالغ في نفوس المقاتلة بتثبيط الهمم فهم يخيلون للمجاهدين عبث الخروج ومضيعة الاحتشاد والسير بقولهم لهم كما حكى الله عنهم {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَتَّبَعْنَاكُمْ} . فإن كانت الحرب واستجاب لله المؤمنون فكرم منهم من شاء بالشهادة حركوا الأسى في نفوس ذوي الشهداء: {الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا} [60] وهم يتربصون بالمؤمنين هزيمة ماحقة ليكشفوا عن السرائر: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيراً..} [61] ومن هنا يتوجب على المسلمين أن يطهروا صفوفهم منهم عملا بالأمر الإلهي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [62]

ويتفرغ من هذا وجوب التخلص من الذين يتوقع منهم خطر دائم من خيانة أو غدر أو تأليب على المسلمين، وذلك إما بإجلائهم عن مركز انطلاق المسلمين أو بقتلهم كما كان شأن الرسول صلى الله عليه وسلم مع بني النضير وبني قريظة، الذين وضعت غزوة الأحزاب تصفية نهائية لهم وكانت هذه التصفية ركيزة النصر في الحروب التي تلتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015