وسارت بهذا الجيش الفريد في دروب النصر قيادة إسلامية فريدة يعزى إليها الفضل في إنجاح الخطط وكسب المعارك، ويشهد الاستقراء التاريخي أن الحاكم الأعلى للمسلمين هو القائد الأعلى لقواتهم المسلحة وهو رئيس هيئة أركان حرب الجيش لا يبتعد عن الدراية الدقيقة بمواقف الجند المسلمين، ودرجة استعدادهم وفعاليتهم، وبالمهام المناطة بهم ويظهر من بعض أحاديث الرسول ومن سيرته أنه يستحسن للقائد الأعلى الاشتراك الفعلي في الحروب كلها، أو أكثرها، فكان عليه الصلاة والسلام القائد في الغزوات الشهيرة وكان يتمنى لو استطاع أن يكون على رأس السرايا كلها فقال في حديث له: "لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية ولكن لا أجد حمولة ولا أجد ما أحملهم عليه، ويشق على أن يتخلفوا عني" [46]
كما يشهد التاريخ أن الذين عهدت إليهم المسؤوليات في الفتوحات الكبرى كانوا أدهى الناس في شؤون الحرب وأشدهم مراسا لقتال. ولهؤلاء القادة العسكريين صفات لا تكاد تختلف ولا بد من توفرها فيهم ويمكننا التعرف عليها بيسر إذا تقرينا أخبار قادتنا أمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاصم بن ثابت ابن أبي الأفلج وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحه وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص والمثنى ابن حارثة وقتيبة بن مسلم الباهلي وأفذاذ غيرهم، ولا شك أنهم اختيروا للمركز القيادي لما جعل الله فيهم من الخصال الشماء، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد تولى الله اختياره فكان مثلا في القيادة لا يجارى ولا يدانى، وأما القواد الآخرون فاختارهم الحكام اختبارا وبلاء..
ومن سير هؤلاء نستخلص مميزات القيادة فنجد أهمها:
أ- الشجاعة الخارقة:
فلم يكن للعدو هيبة ولا للموت رهبة في نفوسهم يجذبهم إلى الإقدام جاذب لا يدفع ويدعمهم عزم لا يقطع.