فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إلى مصادر الفزع يسبق الناس إليها على صهوة جواده وحده وأثبتهم في قتال إذا ولى الناس [47] وربما نازل قائد سرية مسلحة لا تتجاوز ستة نفر جمعا كثيرا حتى يقتل [48] وضرب زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحه مثلا في الثبات حتى الموت يرفعون الراية غير مبالين بالسيوف تأخذ من أوصالهم. [49]
وإذا كانت الشجاعة أسعدتهم بالشهادة فقد كللت غيرهم بالظفر وكلاهما عند الله فوز وهذه الخليقة لا بد منها في المقاتل قائدا كان أو مقودا إلا أنها في القائد ذات اعتبار خاص فإن تقدمه صفوف المقاتلة يرفع من معنويات الجندي إقتداء به ويستخرج أقصى الجندي إقتداء به ويستخرج أقصى ما عندهم من الثبات والهجوم.
ب- الأمانة: ذلك أنه ما تحقق نصر في تاريخ الإسلام إلا بقيادة مخلصة نابعة من أعماق المسلمين الذين التفوا حولها فأخذوا من حكمتها وإخلاصها وأعطوها من صدقهم ونصيحتهم ولقد يبدوا هذا القول من المسلمات الأولى ولكن يصبح النص عليه لازما إذا خلى المسلمون القيادة لفئة ليست منهم يترقبون من قبلها نصرا فتقتحم عليهم الهزائم من كل باب، فهم يفقدون فيها الأمانة والغيرة على أوطانهم ومصالحهم والرفق بهم الشفقة عليهم من المكاره والذل ولا يجدون إلا غلظة وإباحة للحمى وقسوة وامتهانا ولعلنا نستطيع أن نفهم معنى الفضل الإلهي حق الفهم في خطاب الله المؤمنين: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [50]