فإن قال قائل منا: "وأنى لنا ببشرى كهاتيك حتى تهدأ نفوسنا وتطمئن للنصر اطمئنان البدريين وأمثالهم؟ فإنه يجد الجواب في كتاب الله_تعالى الذي يهبنا البشرى ذاتها ذلك إن ربنا الكريم الرؤوف الرحيم وعدنا النصر القاطع إن اجتمعت لنا مقومات النصر التي أمرنا بحيازتها. أو ليس هو القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [36] إنه وعده الحق، ولا مبدل لكلمات الله.
وفى القرآن وصف مفصل للعملية الإلهية التي رفعت معنويات المسلمين في بدر وكان الهدف منها إزالة المخاوف والهواجس ووساوس الشيطان وإحلال السكينة محل هذا كله فعمد إلى الخواطر المضطربة والعواطف المصطرعة والأعصاب الثائرة فمحا ما بها بالنوم فذهب القلق وأنزلت السكينة. فناموا فى ليلة لا ينام فيها الخائف أبدا. وصحوا طيبين قريرين ليجدوا السماء قد جادت بالماء فمالت لهم الوديان ولبدت لهم الرمل بينهم وبين العدو. فاغتسلوا وتوضؤوا وشربوا، فطهروا نفسا وجسدا، وتيقنوا فضل الله، وصدقوا وعده، فأقبلوا على القتال لا يرون إلا النصر.
فثبتوا، وكان الثبات النتيجة الأخيرة لمرحلة الإعداد النفسي، وخرجوا يومئذ أبطالا، ولكن من صنع الله لا من صنع أنفسهم. قال تعالى: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَام} [37] وبالنوم أيضا هدأ الله خواطر المؤمنين وثبت فيهم اليقين عقب معركة أحد، وأخرجهم من ظلل الغم فقال تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ} [38] فكان ذلك وسيلة من وسائل الله للربط على قلوب المسلمين وحشد طاقتهم النفسية في مواطن البأس والغم.