ولذلك أقر النبي عليه الصلاة والسلام ما فعله بعض المؤمنين في القتال مما فيه دلالة على رفعة معنوياتهم، وهو عند الله ورسوله مبغض في غير هذا الموطن: ففي يوم أحد أخذ أبو دجانة السيف من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحقه، وهو أن يقاتل به حتى ينحني. فأخرج عصابة له حمراء فعصب بها رأسه وكان إذا اعلم بها علم الناس أنه سيقاتل، وجعل يتبختر بين الصفين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر: "إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن" [34] وكانت القوة المعنوية التي كان المسلمون عليها قبل القتال سر انتصارهم في كثير من المعارك التي لم يحرزوا فيها نصرا فكانت السر يوم بدر إذ خرج المسلمون قلة، وكثرتهم قريش بالرجال والخيل، ولم يكن للمسلمين قبلها بلاء مشهود، وكان يظلهم خوف أن يتخطفوا عن قلة.
وعلم الله ما في نفوسهم وهم يستغيثون فوضع في أيديهم مفتاح النصر ألا وهو التفوق النفسي في المعركة إذ أخبرهم أنهم ليسوا وحدهم في الميدان، وأن الملائكة لتقاتل معهم فكانت البشرى التي حلقت بهم إلى القمة من الثقة فانقضوا على المشركين كالشهاب فشردوهم كل مشرد، قال تعالى يذكرهم هذه المنة الكبرى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [35]
فكيف لا يصبرون بعدها؟ ومن تحدثه نفسه بفرار وهو يعلم أن الملائكة تضرب وترمي معه إن هذه البشرى هي التي جعلت الجندي المسلم يوم بدر غلابا لعشرة من المشركين بما نفخت فيه من الحمية والحماسة.