ومن هذه العملية النفسية أن الله سبحانه وتعالى أزال من نفوس المؤمنين استعظام خطر الكافرين، بل هو شأنهم، وضاءل في أعينهم خطرهم حتى جرأهم وشجعهم في مهاجمتهم، ولو استعظموا أمرهم لتراجعوا عنهم لأنه وهو الرب يعلم حقيقة النفس البشرية وما هو لها قوة، وما هو لها تثبيط. قال تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [39]
إن الهدف الأولي ظاهر وهو نصر المؤمنين على المشركين فجعل السبب إلى ذلك استقلال المسلمين لهم من به، ويذهب عنكم رجز الشيطان جانب واستهانة المشركين بالمؤمنين من جانب ولا شك أن المسلمين لم يجدوا جمع الكفرة كثيرا لما رفع الله من معنوياتهم فهانت عليهم الكثرة فكانت كالقلة، وأن الكافرين استهانوا بالمؤمنين لأنهم قدروهم تقديرا عدديا ولم يفطنوا لما كانت عليه النفوس من الشدة والصلابة والتأجج، فوجدوا عند الصدام ما لم يحتسبوا.
فالجيش الإسلامي لا ينبغي له أن يستعظم عدوه أو أن يهوله خطره حتى لا يداخله شيء من الوهن. ولكن يجب علينا أن ندرك الفرق واضحا بين الاستقلال للعدو وبين الاستهانة به فمع الاستقلال والاستصغار له الاستعداد الأوفى والتحفز الأعلى والتآلف الأقوى والإقدام الأمضى. ومع الاستهانة به التراخي والخطأ في التقدير والإهمال والتشتت والجبن. فلا يحق لنا أن نستقل عدونا حتى نعرفه حق المعرفة.