إلا أن أشد ما أثار المعسكر النصراني الصليبي وأقامه ولن يقعده هو فتح الإسلام لبلاد الشام وفيها (القدس) وقد رأينا حسرته ولوعته التي بدت بصرخة رأس من رؤوسه وهو هرقل حين خرج منها وهو يقول: "الوداع. الوداع يا سورية. وداعاً لا لقاء بعده". وكذلك فتح الإسلام للقسطنطينية وتحويلها إلى دار إسلام (إسلام بول) .
إن اهتمام المعسكر النصراني الصليبي بالقدس والقسطنطينية جعله يجهد بدأب واستمرار وعلى كافة المستويات منذ فتحهما الله تعالى على يد المسلمين وحتى اللحظة الحاضرة لانتزاعهما من أيدي المسلمين وإعادتهما مركزين أوليين من مراكز الصليب.. وإن أية دراسة واعية للحروب الصليبية تكشف لنا أن انتزاع (القدس) من أيدي المسلمين هو في رأس القائمة [6] قائمة أهدافهم ونشاطاتهم وحروبهم التي يعتقدون بقدسيتها والتي يعتقدون أنها لا تنتهي ولن تنتهي ما دامت القدس بأيدي المسلمين، كما صرح بذلك الجنرال الإنكليزي (أللنبي) حين دخل القدس في الحرب العالمية الأولى وظن أنهم انتزعوها من أيدي المسلمين فقال: (الآن انتهت الحروب الصليبية) .. فلما عادت للمسلمين رجعت المحاولات تبذل من جديد ولم يتغير فيها إلا الشكل والاسم.. كانت من قبل صريحة واضحة هكذا.. يريدون انتزاع القدس من أيدي المسلمين الذين يسمونهم كفرة. قال رأس من رؤوسهم وهو البابا أوروبا الثاني منفذ فكرة الحروب الصليبية المقدسة المعروفة بهذا الاسم والذي بدأ بدفع الكتل البشرية الأوروبية إلى بلاد الشام ومصر ثم استمرت بعده طوال قرنين من الزمان.. قال: "..فاتخذوا محجة القبر المقدس، وخلصوا الأراضي المقدسة من أيدي المختلسين الكفار (يقصد المسلمين) … " [7] أما اليوم فقد جاءت هذه الجهود على مراحل، المرحلة الأولى منها جاءت تحت اسم (التدويل) وما ذلك إلا لخداع المسلمين وتمويه الحقيقة عليهم، فإذا تمت لهم هذه المرحلة - لا سمح الله - خطوا للمرحلة الأخيرة وهي انتزاعها