هؤلاء المحاربون الذين يبلغون هذا المدى من العمق الإيماني يقبلون طواعية على هذه الصفقة الرابحة، وعلى أيديهم يجعل الله النصر إن شاء ولا يصل الجندي المسلم هذا المستوى الرفيع حتى يحقق لذاته صفات وخلالا تجعل كيانه إيمانيا عمليا كله، تبتدئ في سلوكه من جزيئات سلوكه المغموسة بالإيمان غمسا، وأول مسلك له أن يتوب إلى الله من ذنوبه فإن فن طلب التوبة اعترافا بالتقصير واستعدادا للبذل والتضحية ثم يقبل على عبادة الواحد الأحد عبادة يتجلى فيها الإخلاص قولا وعملا، حامدا ربه على نعمة الإيمان وما خص به من الإكرام في تكليفه بالواجبات، وعلى ما منحه من حرية الجهاد وقد كانت الطواغيت تخنق قلبه وتكبل يديه ثم لا يفتر عن التسبيح والتهليل ولا يسهو عن الصلاة ولا يخطو خطوة إلا ليأمر بمعروف وينهى عن منكر، فلا تفارقه التقوى ولا يتجاوز حدود الله. وهذه الصفات أو الشروط في المجاهد ليست من اقتراح إنسان وإنما نص الله على وجوب توفرها في جنده المحاربين فذكرها مفصلة بعد الآية السابقة التي حدث فيها عن اشتراء أنفس المؤمنين بالجنة فقال عز وجل: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [18]
وقد ربح بيع المؤمنين الذين لم يكونوا شيئا مذكورا ثم صاروا أمة تقاتل معهم الملائكة وتستغفر لهم وتشد أزرهم ثم يمكن الله لهم في الأرض إن هذا لهو الفضل المبين.
2- القدرة على احتمال الزلزلة في القتال: