وكيف يشعر بالضياع وهو عارف مستقبله يراه في يقين رأي العين؟ ألم يحدثه الله عن هذا المستقبل العظيم؟ ألم يخبره بما أعد له من نعيم في دار البقاء ومن التكريم في أعلى درجات الجنة؟ إن الشهادة عنده هي الفوز: هي بدأ الحياة الحقيقية: حياة الخلود إنه سمع قول الله {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [16]
سمع قول الله فوعاه وعي المؤمن المصدق فكان الخوف من الموت شيئا منسيا.
وليس من حقنا أن نبرئ المسلم من حرصه على المنفعة الذاتية، بل هو يطلبها لنفسه طلبا حريصا وما كان ليبذل مهجته سدى، وما يعطيها إلا بحقها، وإنه يتقاضى الثمن من الله عز وجل: إذ عقد معه بيعا رابحا: فهو يبيع لله نفسه بجنة عرضها السماوات والأرض قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [17]