إن الجندي المسلم يبرز للنزال وهو خالي الذهن من أي غرض ذاتي أو حاجة دنيوية ليس له من هم إلا أن يعلم الله مكانه ويرى بلاءه، ويفوز بمرضاته منتصرا أو شهيدا. لقد حل ارتباطات نفسه من الأرض ووصلها بربه الذي به آمن وعليه اتكل، وأحبه حبا يسرع به إلى رضاه ولو اصطلحت عليه الأخطار وترصد له الردى. ولا نبالغ إذا ادعينا أن المؤمن المحارب يكاد يشعر أن وسط الأخطار والمحن والزلازل والتضحيات وسطه الحقيقي فإنه ينفذ منه إلى الجنة ومازلنا نذكر كيف ألقى عمير بن الحمام، أخو بني سلمة ثمرات كانت بيده يأكلهن قائلا: "بخ بخ، أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ثم قذف التمرات من يده، وأخذ سيفه، فقاتل القوم حتى قتل" [13] كان عمير رضي الله عنه يعالج بقتاله باب الجنة حتى فتح له.
لقد قضى الجندي المسلم على شبح الخوف من الموت، فلم يبق له حساب في سير المعركة، يقينا منه أن الاستشهاد فيها خير من ثمرات البقاء التي يقاتل لها الكفرة، قال-تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُون وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} [14]
وهل يخاف الذاهب إلى ربه! إنه لن يضيع أبدا وما كان الله ليضيعه وقد لبى نداءه وحمل رايته وضرب في سبيله، لا يرى الموت إلا منه من الله عليه! إذ قال –تعالى-لكل مؤمن {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُم} [15]