وترك لخياله أن يعرض من أطيافه ما شاء.. فإذا هو تلقاء شريط لا يكاد يحيط بمضمونه.. إنه ليتابع ذاته المتحركة خلال هاتيك المشاهدات، فيراها مسيّرةً بقوة الاستعمار مع تلك المجموعات الزاحفة باتجاه دمشق.. ثم يرى إلى هذا الفتى وقد غاص إلى أذنيه في مشكلات بلاده، فهو عضو في (كتلة) ألفت بينها وحدة الاتجاه لتحرير الوطن من طغيان هذا الاستعمار، الذي أعقب انتصار الحلفاء ونقضَ الإنجليز لعهودهم التي يجف مدادها بعد.. ثم يراه وقد اندفع يثير حمية الشباب ليلهب طاقاتهم في هذه المعركة. وبأسلوبه المرح وسلوكه الشعبي استطاع أن يحقق الكثير، حتى لقد أصبح بحق (زعيم الشباب) كما كانوا يلقبونه..
وخاض فخري مع رفاقه قادة تلك الكتلة معارك طويلة ضد الفرنسيين، الذين أعلنوا منذ اليوم الأول لاحتلالهم دمشق، وبلسان طاغيتهم الجنرال غورو، إنهم طليعة حملة صليبية جديدة، جاءت لتغيير الواقع الذي فرضه انتصار صلاح الدين على أسلافهم في حطين.. وكانت أصداء هذا التصميم تتجاوب في كل مكان وطئته أقدام الحلفاء من ديار الإسلام، ففي استانبول يدمرون قواعد الخلافة على يد عميلهم الدونمي [1] مصطفى كمال، وفي فلسطين يطلق قائد الجيش الإنجليزي (ألَنبي) نذيره الدامي بإعلانه الوقح: أن الحروب الصليبية التي بدأها أجداده قبل ثمانية قرون قد انتهت بسحق القوى الإسلامية نهائياً.
ولتوكيد هذا التصميم يبدؤون إقامة قواعد الدولة اليهودية في قلب فلسطين الإسلامية، لتكون منطلق الصليبية لتحطيم كل تحرك إسلامي..