- لقد عاهدناكم على القتال بجانبكم، وعلى بذل كل ما نملك لنصرتكم، فوفّينا، وسنفي حتى النهاية، فهل أنتم وافون لنا بما عاهدتمونا؟..
وكان في وسع جون أن يستغني بابتسامته عن كلامه، ولكنه آثر أن يحقق ما وعد به من الصراحة فقال، وهو ينظر إلى صاحبه من خلال دخانه: ألْكَدِيّةُ ليست أرَبِيّة فَكَتْ يا.. مستر فَكْرِي.. إنها دولية.. آلمية..إنها تَخُسُّ هُلفاء بريتانيا أيْداً..
وفي حرقة لم يطق فخري إخفاءها قال: فمن أجل عيون حلفائكم إذن خرجنا على ديننا، وسفكنا دماءنا، وخربنا ديارنا، وحاربنا إخواننا!!..
ولم يستطع أن يملك أعصابه فإذا هو يضرب جبهته بباطن راحته.. وكانت ضربة محكمة كما يبدو، لم تلبث أن انتزعته من حُلمه الثقيل الطويل.. ليجد نفسه على سريره في مزرعته التي لجأ إليها، فراراً من التدهور السياسي الذي لم يعد يطيق معايشته..
وتناول فخري من خادمه الوفي قدح القهوة وهو لا يزال على فراشه.. وشيئاً فشيئاً استرد كامل وعيه، ولكنه لم يستطع أن ينفض رأسه من آثار تلك الوقائع التي انطوت فوقها صفحات ثلاثة عقود من السنين.. وراح يستعيدها في يقظته، فلا تكاد تزيد عمّا شهده قبل قليل في غفوته.. وسرعان ما اتصلت أحداث ذلك الماضي، النائم في زوايا عقله الباطن، بما تلاها من أحداث لا تزال تلاحقه منذ ذلك اليوم، دون أن يستطيع منها فكاكاً..