لقد عاد فخري من رحلته تلك صفر اليدين لم يصب أي غرض.. بل عاد وفي قلبه تلك التساؤلات التي ما تفتأ تقلقه وتثير أرقه.. وكثيراً ما ردد على نفسه، كلما أتيح له أن يخلو إليها، مثل هذا القول: لماذا كناّ نحن العرب أسرع استجابة لإغواء الإنجليز من مسلمي الهند؟.. لماذا نكون أقل منهم غيرة على حرم الإسلام؟!..

وانتزعه من تأملاته خفق نعل متحفظ خلفه.. ثم سمع صوتاً يخاطبه في عربية أجنبية: هالو فَكْري.. إلى أين؟..

وعرف فخري مخاطبه من لهجته. إنه مدير الاستخبارات الإنجليز جون.. الذي يمتاز على كل من عرفه من أبناء جنسه بصراحته الغريبة..

وتوقف فخري ريثما انتهى إليه صاحبه، ورد تحيته، وصافح يده الممدودة، واستأنفا السير معا..

ولم يشأ الفتى الشامي أن يخرج عن صمته الذي كان عليه، فلم يسع الكهل السكسوني إلا أن يبدأ هو بالكلام فقال، وهو يلوح بغليونه ليساعده على الاشتعال: أراك مشغول الفكر.. فهل ثمة ما يُزإجك؟!..

وصمت فخري قليلاً كأنه يستفتي عقله في الجواب..ثم قال: لا بد..

- تَبْأً.. أنت في شوكٍ إلى دمشق.. إتْمئِن.. سوف تدخلها كريباً..

- هذا ما أتوقعه بعد انتصاركم على الجيش العثماني في معركة القناة..

- تَبْأً.. تَبْأً.. فما الذي يشغلك إذن؟!..

- اسمع يا مستر جون.. إني أسأل نفسي عن مصير هذه الشركة بيننا وبينكم..

وكأن الكهل السكسوني لم يسمع غير ما توقع.. فلم يبدُ عليه انفعال، وبكل هدوء عقب على كلام الفتى بقوله: على كل حال.. سنظل أسدكاء..

وانصرف فخري بوجهه إلى الرجل ليقول له: القضية أكبر من الصداقة يا.. مستر جون.. إني أتساءل عن مصير العهود التي بيننا وبينكم..

- كن سريهاً.. يا فكري بك..

- سأكون في منتهى الصراحة.. فهل تعدني بمثلها؟..

- نَأمْ.. نَأمْ.. كُلْ ما تريد..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015