ولعلّي بهذا العرض الموجز أكون قد أجبت على كثير مما أثرت من تساؤلات، ويبقى سؤال معلّق هو ما هي مناهج البحث التي استخدمها المسلمون في أبحاثهم؟ وما مدى توافقها مع المناهج الحديثة المستخدمة في البحث العلمي؟
فطن العرب إلى استعمال جميع الطرق المستخدمة في البحث العلمي فقرّبوا المنطق التقليدي وعرّبوه واستخدموه وتوسعوا في القياس، وأدخلوه في دراستهم للعلوم الدينية كأصول الفقه وغير ذلك، كما استخدموا أيضا المنهج الرياضي واستخدموا الرموز ووضعوا قواعد الجبر، بل إن لفظة الجبر في اللاتينية مأخوذة عن العرب وعرفوا الهندسة وابتكروا فيها وأضافوا إليها، وإن الآثار المعمارية الإسلامية خير شاهد على ذلك.
أمّا عن الاستقراء الذي نسب ظلما وزورا إلى علماء الغرب من أمثال فرسيس بيكون وغيره فإنه كان معروفا عند علماء الطبيعة والكيمياء المسلمين، ولقد استخدم المسلمون الآلات العلمية في أبحاثهم، وعرفوا الملاحظة والمشاهدة والتجربة وطبقوها تطبيقا علميا في أبحاثهم.
أمّا عن علم الاجتماع الذي قيل عنه إنه علم أنشأه الأوربيون فإن ابن خلدون العالم المسلم هو المؤسس الحقيقي لهذا العلم وإن سماه (علم العمران) .
ويمكن القول باطمئنان أنه لا يوجد شيء من المعارف الإنسانية إلا وللمسلمين فيه بحث أو تطوير أو إضافة أو إحاطة ومعرفة، ولقد استخدم المسلمون في أبحاثهم العلمية المنطق القديم والمنطق الحديث على حد سواء, فلم يظنوا كما ظن مفكرو العصور الوسطى من الأوربيين أن أرسطو قد وضع النظرية النهائية لقواعد الاستنتاج, ولكنهم اهتدوا إلى أسلوب هام من أساليب التفكير هو ما يطلق عليه الآن اسم الاستقراء، وعرفوا المنهج الرياضي الذي يعتمد على المسلّمات والبديهيات، وعنهم نقل بيكون منهجه العلمي لأنه تتلمذ على علماء المسلمين. [1]