ومهما يكن من أمر فإن المسلمين لم يأخذوا في الغالب بالمراحل المتعددة للتعليم وإنما كان لديهم مرحلة واحدة تبتدئ في الغالب بالكتاب أو المدرس الخصوصي المعلم أو المؤدّب، وتنتهي بأن تكون له حلقة في المسجد، ولم يكن هناك منهج محدد للتعليم بالنسبة لكل عام دراسي بل ولم يكن عندهم إلزام بالنسبة للدراسة، فالدارس له مطلق الحرية في أن يحضر حلقة فقه أو حديث أو تفسير أو لغة أو غير ذلك، وكان التعليم حرّا لا تنفق عليه الدولة، فالطالب والعالم يقومان بالعملية التعليمية بمحض رغبتهما دون تدخل من أحد، وقد يدفع الطالب أجرا لأستاذه وربما تعلّم حسبة لله تعالى إذ كثيرا ما كان العلماء يتكسبون رزقهم من طريق آخر غير التعليم، ولم يكن هناك درجات علمية تعطى للدارس بعد إتمام دراسته، وقد اختلفت مناهج التعليم باختلاف الغرض من التعليم، فمنهج من يريد أن يصير كاتبا غير منهج من يرغب أن يكون فقيها أو باحثا في اللغة أو مؤرخا وهكذا.. وباختصار كانت المناهج متشعبة متروكة لاختيار الطالب ورأي العالم، وقد اعتقد علماء المسلمين أن طلب العلم جهاد، فمن مات في سبيله مات شهيدا، فكانوا يقصدون العلم لذاته، وربما كان حرصهم على تحصيله أقوى من حرصهم على الحياة.
فلا غرو أن رأينا هذا الأسلوب الرائع في التربية والتعليم يخرج في مختلف الأمصار الإسلامية علماء أفذاذا فحولا من أمثال ربيعة الرأي والواقدي ومالك في المدينة، وسفيان ابن عيينة في مكة، وأبو حنيفة وأبو عبيدة والفراء والكسائي في العراق، والليث ابن سعد والشافعي في مصر والأوزاعي بالشام.
هذا عدا ما عرف بالشام من حركة طبية، ذكر ابن أبي أصيبعة في كتابه (معجم الأطباء) كثيرا من أسمائهم وكذلك الحال بالنسبة لكل العلوم والمعارف الإنسانية التي ذكرها الفارابي في كتابه (إحصاء العلوم) .