ثالثاً: أن المادة التي زعموا ميتة لا يمكن أن تصدر عنها الحياة، ومن المعلوم أن الكائنات المرئية على قسمين: كائنات حية، وكائنات ميتة جامدة، والمادة من ضمن الكائنات الميتة التي لا يمكن أن تصدر عنها الحياة، فمن أين جاءت الحياة؟؟

رابعاً: أن المادة التي زعموا غير عاقلة ولا مدركة لما حولها، إضافة إلى موتها فكيف يمكن أن يوجد منها ما هو عاقل ومدرك؟؟

خامساً: أن المادة غير قادرة وليس لها إرادة، فكيف يمكن أن توجد ما هو قادر مريد، ففاقد الشيء لا يعطيه؟؟

سادساً: أن هذه الدعوى باطلة ببديهة العقول من ناحيتين:

1- أن المادة التي زعموا أنها أزلية لا يمكن أن تكون وجدت من لا شيء فهذا مستحيل، فلا بد لها من موجد أوجدها، وإلا تكون وجدت من لا شيء وهذا مستحيل معلوم بطلانه ببداهة العقول.

2- أن هذا الكون المنظم من أصغر ذرة فيه إلى أكبر جرم فيه لا بد أن يكون موجده أعظم منه وأكبر، وله صفات الكمال لأنه لا يمكن أن يوجد بهذا التنظيم وهذا الضبط بفعل حركة غير عاقلة، فإن الحركة التي لا يضبطها منظم لها لا يمكن أن يوجد منها شيء ذو معنى، كما لو وضعت حروف الهجاء في بطاقات ثم وضعتها في علبة وحركتها مئات بل ألوف الحركات فإنها لا يمكن بحال حين توقف الحركة أن تخرج لك منظومة شعرية ولا حكمة نثرية ولا خطبة ولا حتى جملة مفيدة، بل لا يخرج إلا تشويش وكلمات ليس لها معنى، هذا شيء ظاهر في أمر يسير، فما بالك بهذا الكون البديع والخلق العجيب، لا شك أن في كل ذلك دليلاً واضحاً على بطلان دعاوى أولئك الضلال ومن أخذ بأقوالهم، وهم في الحقيقة يكذبون على أنفسهم وإلا فوجوب وجود الخالق تبارك وتعالى من أوضح الواضحات.

وقد أقام الله عز وجل الحجة في ذلك بآية مكونة من كلمات معدودة وذلك قوله عز وجل {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} الطور (35-36) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015