فإن كونهم خلقوا من غير شيئ مردود بداهة، وأوضح منه في البطلان أن يكونوا هم الخالقين، وأظهر منه بطلاناً أن يكونوا خلقوا السماوات والأرض، فإذا كان الإنسان وهو أقدر المخلوقات على الأرض، وأكرمها بما أعطاه الله من قدرة وإرادة وعقل وسمع وبصر وما إلى ذلك من الصفات والخلق العجيب، لم يخلق من غير شيء فإن تركيبه دال على حاجته إلى صانع، وهو كذلك لم يخلق نفسه لأنه خرج من بطن أمه لا يعلم شيئاً، بل أُخرج من بطن أمه رغماً عنه فكيف يكون خلق نفسه؟؟

وهو كذلك لم يخلق السماوات والأرض فلم يبق إلا أن يكون هناك خالقاً أوجد ذلك كله، وهذا الخالق لا بد أن يكون له من صفات الكمال والجلال ما يمكن أن يتأتى منه إيجاد هذا الكون، وهذا بديهة من البدهيات، فإن من رأى طائرة أو حاسباً آلياً أو غير ذلك من المصنوعات الحديثة العجيبة فإنه يستدل بها على عظمة صانعها وأن لديه إمكانيات مالية وآلات ومواد دقيقة، وقدرات متعددة، فكذلك ولله المثل الأعلى هذا الكون دليل على كمال وعظمة وجلال موجده وخالقه.

وهذا القول أعني: إنكار الخالق، ليس عليه إلا شرذمة قليلة من الفلاسفة الدهريين، وليس له أي صدى لدى المسلمين، بل إن جُلَّ بني آدم يستنكرونه ويردونه، فإن جميع أصحاب الأديان على خلافه، وحتى الدول الشيوعية الملحدة في هذه الأزمان إنما ملاحدتها هم الساسة ومن دار في فلك أحزابهم. أما الشعوب التي تحت حكمهم فهم ما بين نصارى ويهود ومسلمين يقرون بالخالق ويدينون له بدين.

القول الثاني: الوجوديون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015