فهو تطبيق عملي لما نتج عنه نقد الرواة, وهو جهاد فعلي يسطر بالذهب من جهود العلماء في مقاومة الوضع, فكما أنهم قاوموهم بسلاح الفكر, كذلك قاوموهم بسلاح اليد واللسان, فقد كان بعضهم يحارب القصاص والكذابين ويمنعهم من التحديث, فهذا عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما حين دخل المسجد فوجد قاصاً يقص, فوجه إلى صاحب الشرطة أن أخرجه فأخرجه (?) , وكذلك فعل أبوه عمر من قبله, ومن أشهر من عرف بتصديه لهؤلاء من التابعين: عامر الشعبي, سفيان الثوري, عبد الرحمن بن المهدي وغيرهم, وأخبارهم في هذا المضمار اكثر من أن تحصى, فقد روى عبد الملك الجدي قال: "رأيت شعبة مغضباً مبادراً, فقلت: مه يا أبا البسطام؟ فأراني طينة في يده وقال: استعدي على جعفر بن الزبير، يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم" (?) وروى الإمام مسلم عن حمزة الزيات قال: "سمع مرة الهمداني من الحارث الأعور شيئاً فقال له: اقعد بالباب, قال: فدخل وأخذ سيفه، قال: وأحس الحارث بالشر فهرب" (?) .
ونتيجة لذلك توارى كثير من الكذابين, وأصبح عند العامة وعي جيد, يميزون به بين المحدثين والمتطفلين.
الفصل الخامس: التأليف في الوضاعين
تتجلى ثمرة الجهود العظيمة التي بذلها العلماء من أجل حفظ الحديث وتخليصه من الوضع, في تلك الثروة العلمية الضخمة من كتب الموضوعات والوضاعين, فنتيجة لما تقدم من نقد الرواة وتتبع الكذبة, سجلوا أولئك الوضاعين في الصحف، كي يعرفهم من بعدهم فيجتنب أحاديثهم, واستلوهم من رواة الحديث كما تستل الشعرة من العجين, فطهروا منهم السنة الشريفة تطهيراً.