ففي الرواية: هرعوا إلى من بقي من الصحابة رضي الله عنهم يسألونهم عما يسمعون من الأحاديث وهل قالها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أم هي كذب مصنوع، ولحكمة يعلمها الله مد في أعمار بعض الصحابة كعبد الله بن عباس وعائشة وجابر وأنس وعامر بن الطفيل, فساعدوا في حفظ السنة من الضياع, وكذلك فعل الأتباع مع التابعين, يقول الأوزاعي: "كنا نسمع الحديث فنعرضه على أصحابنا كما يعرض الدرهم الزائف على الصيارفة, فما عرفوا منه أخذنا, وما تركوا تركنا" (?) . وفي علم الرواية أيضاً: نشأ ما يسمى بـ"الرحلات" فقد قطع الرواة الفيافي والقفار، للتأكد من حديث سمعوه، خشية خطأ الراوي أو تعمده في الزيادة. فهذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه يسير شهراً إلى الشام ليسأل عبد الله بن أنيس رضي الله عنه حديثاً سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (?) ، وهذا سعيد ابن المسيب يقول: "إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد (?) " ويقول أبو العالية: "كنا نسمع بالرواية عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما نرضى حتى أتيناهم فسمعنا منهم" (?) .
أما علم الحديث دراية, فقد كان من ثمار نشاطهم فيه الشيء الكثير, فقد وضع العلماء قوانين مخصوصة يتميز بها الغث من السمين, وجعلوها قائمة على أصول أسسوها ليبنوا عليها أحكامهم, ومنها:
1 - فن التواريخ, ليعلم منه تاريخ الراوي ووفاته, يقول سفيان الثوري: "لما استعمل الرواة الكذب, استعملنا لهم التاريخ" (?) .
2 - فن الجرح والتعديل, وبه استطاعوا معرفة أحوال الرواة, فانكشف لهم الوضاعون.