وإذا عرفنا أن جمهورهم المستمع والمشجع هم العامة الجهال, الذين يصدقون كل ما يسمعون عرفنا عظيم أثرهم وجليل خطرهم, يقول ابن الجوزي "والقاص يروي للعوام الأحاديث المنكرة, ويذكر لهم ما لو شم ريح العلم ماذكره, فيخرج العوام من عنده يتدارسون الباطل فإذا أنكر عليهم عالم قالوا: قد سمعنا هذا بـ "أخبرنا" و "حدثنا" فكم قد أفسد القصاص من الخلق بالأحاديث الموضوعة, كم لون قد اصفر من الجوع, وكم هائم على وجهة بالسياحة. وكم مانع نفسه ما قد أبيح, وكم تارك رواية العلم زعماً منه مخالفة النفس في هواها!! وكم موتم أولاده بالزهد وهو حي! وكم معرض عن زوجته لا يوفيها حقها فهي لا أيم ولا ذات بعل!! " (?) ويقول أبو قلابة: "ما أمات العلم إلا القصاص يجالس الرجل القاص سنة فلا يتعلق منه بشيء، ويجلس إلى العالم فلا يقوم حتى يتعلق منه بشيء" (?) ويقول أيوب السختياني:"ما أفسد على الناس حديثهم إلا القصاص" (?) .

الباب الثاني

جهود العلماء في مقاومة الوضع

الناظر في ركام الأحاديث الموضوعة الموجودة في بطون الكتب، وتتداولها الألسن، قد يتساءل: ماذا كان موقف العلماء منها، وقد اختلطت بالأحاديث الصحيحة؟! وهو تساؤل وارد, عُرضَ على الإمام عبد الله بن المبارك فقيل له: هذه الأحاديث الموضوعة؟؟ فقال: تعيش لها الجهابذة (?) {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (?) وصدق الله العظيم فقد قيض لهذه الأمة رجالاً أمناء مخلصين, قاوموا الوضع والوضاعين وتتبعوهم, وميزوا بين الصحيح والسقيم, وبذلوا جهوداً جبارة في سبيل حفظ الشريعة وأصولها.

فكل ما قدمته في هذا البحث من تعريف بالوضع وأحكامه, وإيضاح لآثاره وسلبياته، وتشهير بالوضاعين وموضوعاتهم, ما هو إلا غيض من فيض مما فعلوه في مقاومة الوضع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015