أما دليله الثاني - وهو أن استمرار الكسر في اللهجات العربية الحديثة دليل على أصالة الكسر - فهو مردود بأن هذه اللهجات تُستعمل – دائمًا - إما متوارثة عن لغات عربية قد يكون بعضها محافظًا على الصيغة القديمة، وإما متطورة عن هذه اللغات التي غيرت نهجها وفقًا لقوانين لغوية.
ومن هنا يتضح لنا أن فتح حرف المضارعة أذهب في القدم من الكسر.
المبحث الثاني: بين الفتح والكسر في اللام الجارة:
تُكسراللام الجارة مع الاسم الظاهر، وتُفتح مع المضمر. هذه القاعدة المطردة في العربية الفصحى، بل في اللغات السامية الأخرى كالعبرية والحبشية. أما قبيلة خزاعة الأزدية فإنها تخالف هذا الاطراد. قال ابن عقيل: "وفتح اللام مع المضمر لغة غير خزاعة، فيقول غيرهم من العرب: لَكم ولَها ولَه، بفتح اللام، وأما خزاعة فيكسرون اللام مع المضمر، كما فعل هم وغيرهم مع المظهر، وهذا في غير الياء والمستغاث".
وأكثر مصادر العربية تعزو هذه الظاهرة - أيضًا - إلى خزاعة، عدا ابن جني فقد عزاها إلى قضاعة، وهي موصولة بخزاعة نسبًا وجوارًا، فهما من القبائل القحطانية المهاجرة من اليمن إلى أرض الحجاز.
ولما كان الإضمار يرد الأشياء إلى أصولها، كان فتح اللام مع المضمر هو الأصل، وإنما كسرت مع الظاهر - سوى المستغاث - خوف التباسها بلام التوكيد أو الابتداء.
وحكى ابن جني أن هذه اللام قد تفتح مع المظهر على الأصل في بعض اللغات، فيقال: المال لَزيد، بفتح اللام. ونقل عن أبي عبيدة، والأخفش، وخلف الأحمر، ويونس أنهم سمعوا العرب تفتح اللام الجارة مع المظهر، واستشهد بقراءة سعيد بن جبير: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} (?) بفتح اللام. ونقل عن أبي زيد الأنصاري أنه سمع من يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} (?) بفتح اللام أيضًا.