اتخذ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الكتابة وسيلة من وسائل تبليغ الرسالة إلى الناس في عصره من عرب وعجم، وكتب بعض الكتب إلى بعض ولاته في بيان الحلال والحرام، وكتب المعاهدات مع قريش وغيرهم، وكتب عقود الصلح والأمان، وأعطى كل من وفد إليه من أمراء الأعراب القطائع العظيمة، وكتب لهم بذلك كتباً معروفة عند أهل العلم مفردة في كتب لديهم، وكتب إلى أمرائه في البلدان النائية عنه، وكتب كتباً لقادة السرايا، بل استعملها في عقود البيع والشراء والوصية والقضاء وغير ذلك مما ذكره العلماء في كتب الحديث والفقه والسيرة والتاريخ وغيرها، وهذه نبذ من هذه الكتب العظيمة.

أولاً: حدث أبو هريرة فقال: "لما فتحت مكة قام رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكر الخطبة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم - ثم قال: فقام رجل من اليمن يقال له أبو شاه، فقال: يا رسول الله اكتبوا لي، فقال صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه" [40] .

وجه الدلالة:

أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكتابة الحديث له، والأمر بالكتابة يدل على مشروعية كتابة الأحاديث؛ لأنها سبب الحفظ والتذكر والاعتماد عليها عند الحاجة [41] ، وهذه الخطبة تضمنت أحكاماً شرعية وبلاغاً عاماً للحجاج ولكل من نقلت إليه، وله أن يسمعها ويقرأها ويبلغها غيره، وللغير العمل بها، ولاشك أن حفظ أحكام شرائع الإسلام وتبليغها أهم من حفظ حق آحاد الناس، وما جعل أداة في حفظ الحقوق العامة فهو في الحقوق الخاصة أوجب لأنها تبع لها، لهذا قال الإمام القاري: "قد أمر رسول الله أمته بالتبليغ وقال: "ليبلغ الشاهد الغائب"، فإذا لم يقيدوا ما يسمعونه منه تعذر التبليغ، ولم يؤمن ذهاب العلم، وأن يسقط أكثر الحديث، فلا يبلغ آخر القرون من الأمة، ولم ينكرها أحد من علماء السلف والخلف، فدلَّ ذلك على جواز كتابة الحديث للعلم، والله أعلم [42] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015