ووضح الشاهد من هذه الآية الكريمة الإمام الجصاص بقوله في معرض تفسيره لقوله تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} : "فيه أمر لمن تولى كتابة الوثائق بين الناس، أن يكتبها بالعدل بينهم، والكتاب وإن لم يكن حتماً، فإن سبيله إذا كتب أن يكتب على حد العدل والاحتياط، والتوثق من الأمور التي من أجلها يكتب الكتاب، بأن يكون شرطاً صحيحاً جائزاً على ما توجبه الشريعة وتقتضيه، وعليه التحرز من العبارات المحتملة للمعاني، وتجنب الألفاظ المشتركة، وتحري تحقيق المعاني بألفاظ مبينة، خارجة عن حد الشركة والاحتمال، والتحرز من خلاف الفقهاء ما أمكن، حتى يحصل للمتداينين معنى الوثيقة والاحتياط المأمور بها في الآية" [37] .
ومن هنا ترى أنَّه ليس بوسع كل أحد، أن يقوم بكتابة الوثائق، فلابد أن يقوم ولي الأمر باختيار ولاة عدولٍ لهم خبرة ودراية وعلم في فقه الشروط والوثائق، حتى يقوموا بهذا الواجب على أكمل وجه، هذا ما ذكره علماء الإسلام وفهموه من قوله تعالى: {وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ} قال الجصاص: "يعني والله أعلم ما بينه من أحكام العقود الصحيحة، والمداينات الثابتة الجائزة، ولأن الكاتب بذلك إذا كان جاهلاً بالحكم لا يأمن أن يكتب ما يفسد عليهما ما قصداه، ويبطل ما تعاقداه"، ومتى كتب فواجب أن يكون على هذه الشريطة كما قال عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6] ، فانتظم ذلك صلاة الفرض، والنفل غير واجب عليه ولكن من قصد فعلها وهو محدث فعليه ألاَّ يفعلَها إلا بشرائطها من الطهارة وسائر أركانها، فكذلك كتابة الدين والإشهاد عليه ليسا بواجبين ولكنه متى كتب فعلى الكاتب أن يكتبه على الوجه الذي أمره الله تعالى به وأن يستوفي فيه شروط صحته ليحصل المعنى المقصود بكتابته" [38] .