لقد أنزل الله عز وجل في الأمر بكتابة الديون ونحوها أطول آية كريمة في كتابه الكريم، وأحدث آية نزولاً بالعرش.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ} وقال تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُب ... } [سورة البقرة: 282] .
هذه الآية الكريمة أمرت بالكتابة وقد اختلف الفقهاء والمفسرون هل الأمر هنا للوجوب أم للندب؟، وسواء أكان الأمر للندب أم للفرض، فالآية تقرر مبدأ مشروعية الكتابة، ونصب الكتبة، وهم "ولاة التوثيق"، وهذا النصب لا يكون إلا من قبل ولاة الأمر، للآثار العظيمة المترتبة على حجية الوثائق الشرعية وقوة نفاذها، وحاجة الناس إليها في كل زمان ومكان، والاعتماد عليها عند الجحود والإنكار، وحفظ الحقوق بها أزمنة متطاولة، وفصل النزاعات فيها عند القضاء عند التخاصم والتجاحد.
يقول الدكتور/ محمد الزحيلي موضحاً الشاهد من هذه الآية الكريمة: "إن هذه الآية الكريمة أمرت بكتابة الدين لدى كاتب موثوق معتمد، مع توثيق الكتابة بالإشهاد عليها، وهذا السند العادي أو العقد الرسمي الذي يستعمل اليوم في أنحاء العالم، وانتشر استعماله في كل الأمور، وعند كل الأشخاص، يُعَدُّ سنداً في الدين، وحجة في القضاء، يلزم صاحبه، ويلزم القاضي الحكم به ما لم يثبت تزويره أو تغييره" [35] .
وما ذكره الدكتور الزحيلي هو ما نصَّ عليه وفهمه علماء السلف الأجلاء، كالإمام مالك وغيره، قال مالك:
"لا يكتب الوثائق بين الناس إلا عارف بها، عدل في نفسه مأمون، لقوله تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} [36] .