"القيام بكتب السجلات والعقود من جهة عباراتها، وانتظام فصولها، ومن جهة إحكام شروطها الشرعية، وعقودها، فيحتاج حينئذٍ إلى ما يتعلق بذلك من الفقه ولأجل هذه الشروط وما تحتاج إليه من المران على ذلك والممارسة له اختص بذلك ببعض العدول" [29] ، ولم تكن في عصر الإمام ابن خلدون - وهو العصر المملوكي - لها استقلال تام عن ولاية القضاء، بل كان للقضاة الإشراف عليهم، فقد ذكر مراقبة القضاة لهم وأنها وظيفة تابعة للولاية القضائية من جهة الإشراف ونحوه.
فقال: "ويجب على القاضي تصفح أحوالهم، والكشف عن سيرهم رعاية لشرط العدالة فيهم وأن لا يهمل ذلك، لما يتعلق عليه من حفظ حقوق الناس، فالعهدة عليه في ذلك كله، وهو ضامن دركه" [30] .
وذكر أنها وظيفة مساعدة للعملية القضائية، وأن حاجة الناس إليها ماسة، وكذلك القضاة، فقال: "إذا تعين هؤلاء لهذه الوظيفة، عمت الفائدة في تعيين من تخفى عدالته على القضاة، بسبب اتساع الأمصار، واشتباه الأحوال، واضطرار القضاة إلى الفصل بين المتنازعين بالبينات الموثوقة فيعولون غالباً في الوثوق بها على هذا الصنف" [31] .
ثم ذكر أماكن جلوسهم وتواجدهم في المدن الإسلامية، والفرق بين العدالة والشهادة والجرح.
فقال: "لهم - في سائر الأمصار - دكاكين ومصاطب يختصون بالجلوس عليها فيتعاهدهم أصحاب المعاملات للإشهاد وتقيده بالكتاب، وصار مدلول هذه اللفظة مشتركاً بين هذه الوظيفة التي بين مدلولها وبين العدالة الشرعية التي هي أخت الجرح وقد يتواردان ويفترقان" [32] .
وعقد الإمام ابن الحاج في المدخل فصلاً بعنوان (العدالة) وذكر حال ولاتها في عصره وآداب كاتب العدل ومما قاله: