فلا ريبَ بعد هذا كله أن تكون ولاية التوثيق مندرجة في بعض الولايات الشرعية في بعض العصور، وأن تكون مستقلة في عصور أخرى، فهذا يعود لعظم الدولة الإسلامية واتساع سلطانها، ومدى حاجة الناس إلى هذه الولاية، فإذا كثر الناس تعددت الولايات، وإذا قل الناس قلت الولايات؛ لأن القصد من الولايات كلها تصريف شئون الأمة بسهولة ويسر، مع الحزم والصرامة، وإنهاء الحقوق، وحفظها في أقل مدة، وأقصر طريق، وهذا كله يعود إلى نظر الإمام الأعظم "الخليفة"القائم بالأمر في ذلك العصر.
المبحث الرابع
تعريف التوثيق في اللغة والاصطلاح
أولاً: التوثيق في اللغة [23] :
كلمة التوثيق مأخوذة من قولك "وثق بالشيء"-أي قوي وثبت، فهو وثيق: ثابت محكم، وأخذ فلان بالوثيقة في أمره: أي بالثقة، والجمع وثائق، قال ابن فارس: "إن مادة الواو والثاء والقاف -وهي جذر كلمه (وثق) - تدل على "عقد وأحكام"فوثقت الشيء: أحكمته، والميثاق: العهد، والتوثقة في الأمر: إحكامه، وتوثق بالأمر مثله، واستوثق فلان، وتوثقت من الأمر: إذا أخذت فيه بالوثاقة، ومنه: "عقد وثيق: أي محكم"، واستوثقت منه: أخذت في أمره بالوثيقة، ومنه الميثاق والمَوْثق: هو العهد والجمع مواثيق.
وسمي الحلف موثقاً: لأنَّه توثق به العهود وتؤكد.
مما سبق نجد أن معنى الوثيقة في اللغة العربية يطلق على معانٍ عدة منها:
1- العقد والأحكام.
2- التقوية والثبوت والثقة.
3- الشدّ والإحكام.
4- الأخذ بالوثاقة والوثيقة.
5- العهد والأيمان.
ثانياً: التوثيق والوثيقة في الاصطلاح:
عرفه الأستاذ الفاضلي بقوله: "التوثيق في الاصطلاح هو: علم يبحث فيه عن كيفية إثبات العقود والالتزامات والتصرفات وغيرها، على وجه يصح الاحتجاج والتمسك به" [24] ، والموثق: "هو من يقوم بالتوثيق، أي بكتابة العقد أو الإقرار أو التصرف ونحو ذلك" [25] .