بهذا الخطاب العظيم، الذي حوى بين دفتيه، ما يصح أن نطلق عليه منهج الملك الإمام في السياسة الشرعية، حيث تجلت فيه سمات الحاكم المخلص الذي ينشد الحقيقة، ويتفانى في بذل النصح لرعيته، ولا يستنكف من النقد، مما يجعل جميع الطروحات الفكرية في السياسة المعاصرة تتصاغر أمام هذا الطرح السليم والمنهج القويم الذي أوضحه الملك الإمام عبد العزيز - رحمه الله - على الملأ جهاراً نهاراً، بمصداقية وإلحاح اقترن فيها الوعد بالوفاء، والقول بالعمل، والفهم بالدليل بوضوح وجلاء، لا لبس فيه ولا خفاء، وصل إلى حد التنازل عن الملك من أجل سلامة الذمة، وبراءة العرض، ونقاء السريرة وصحة العمل، بإصرار لا مواربة فيه، وحث لا لبس معه حتى إذا عرف أنه لن يطاع فيما أمّله، دعا إلى النظر في سياسته ووضعها تحت مجهر النقد، مذكراً العلماء بمسؤوليتهم وعظيم أمانتهم في وجوب النصح لولاة الأمر - ويقول من حضر ودوّن ما رأى فيه، إن العلماء أجابوا، بأنهم يبرأون إلى الله من كتمان ما يظهر لهم من الحق، وأعلنوا أنهم ما نصحوه إلا انتصح ولو رأوا في عمله ما يخالف الشرع لما سكتوا عنه، وهم ما رؤا منه إلا الحرص على إقامة شعائر الدين، واتباع ما أمر به الله ورسوله [19] .