والحقيقة أن هذه المواقف العظيمة والتاريخية لا تستغرب من الملك عبد العزيز فهو مسلم حق، وعربي صميم، لا يتهاون في أمر يمس عقيدته ودينه وحقه المشروع، فهو يرفض هذه التنازلات ولا يستكين أمام الضغوطات وإن كان من يفاوضه أمثال روزفلت وتشرشل، لأنه يؤمن بأن القضايا المصيرية لا تتلاعب بها السياسات ولا تخضعها للمساومة، وهكذا يكون الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
يتضح لنا مما تقدم أن الملك عبد العزيز من خلال لقائه بالرئيس روزفلت وتشرشل وغيرهم وتبادله الرسائل معهم واتصالاته السياسية، قد شرح جميع أبعاد القضية الفلسطينية من شتى جوانبها التاريخية والدينية والحضارية، وفنّد مزاعم العدو الصهيوني وأباطيله الواهية، وساق الحجج والأدلة والبراهين التي تثبت الحق الشرعي للعرب في فلسطين على مر العصور، كل ذلك تؤكده الرسائل الثابتة التي يمكن الرجوع إليها كوثائق تاريخية.
فالملك عبد العزيز كان يرى في فلسطين أنها أرض عربية إسلامية، ليس لليهود حق فيها، وكان ـ رحمه الله ـ له رأي صائب في قضية فلسطين لم يأخذ به العرب، ويتمثل في أمرين:
أولهما: إعلان حكومة فلسطينية بمجرد ترك الإنجليز للسلطة فيها.
ثانيهما: تسليح الفلسطينيين وتركهم يدافعون عن بلادهم بأنفسهم.
ولا شك أن لهذين الأمرين أبعادهما السياسية التي لا تخفى، وتؤدي في الوقت نفسه لتحقيق الغاية المنشودة في مثل هذه القضايا السايسية المتوترة.