الممالك الأوربية والأمريكية، فأين أولئك الذين كانوا يقولون إن الأعراب لا يقدر على ضبطها إنسان، وأن سكان الفيافي هم غير سائر البلدان، فهاهو ذا ابن سعود قد ضبطها بأجمعها في مملكته الواسعة، ومحا أثر الغارات والثارات بين القبائل، وأصبح كل إنسان يقدر أن يجوب الصحارى وهو أعزل، ويدخل أرض كل قبيلة دون أن يعترضه معترض، أو يسأله سائل إلى أين هو غاد أو رائح، ولو قيل لبشر: إن بلادا كان ذلك شأنها من الفزع والهول وسفك الدماء وقطع الطرق، قد مرد أهلها على هذا البغي وهذا العدوان، من سالف الأزمان، وأنه يليها ابن سعود، فلا تمضي على ولايته سنة واحدة، حتى يطهرها تطهيرا ويملأها أمنا وطمأنينة، لظن السامع أنه يسمع أحلاماً أو خرافات، أو اتهم القائل في صحة عقله. ولكن هذا قد صار حقيقة كلية، وقضية واقعية، في وقت قصير، وما أوجده إلا همة عالية، وعزمة صادقة، وإيمان بالله، وثقة بالنفس، وعلم بأن الله تعالى مؤيد من أيده، ناصر من نصره يحث على العمل، ويكافئ العامل، ويكره اليأس ويقول لعباده: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} .
وقد سرت بشرى الأمان الذي شمل البلاد المقدسة الحجازية، فعمت أقطار الإسلام، وأثلجت صدور أبنائه، وارتفعت عن الحجاز معرة تلك المعرة، التي طالما وجم لها المسلمون، وذلك بقوة إرادة الملك عبد العزيز بن سعود والتزامه حدود الشرع " [41] .