وأورد شهادة عدل، من قلم صدق، يبين لنا كيف قضى عبد العزيز على الفتن، كتب أمير البيان شكيب أرسلان تحت عنوان: هكذا ـ إذا توجهت الهمم ـ الإصلاحات المعنوية والمادية، في البلاد المقدسة، وبعد أن وصف ما كانت تعانيه البلاد المقدسة من فتن وفوضى وفساد، على توالي القرون والحقب، حتى أصبحت في اعتقاد الناس داءً عضالاً، لا تنفع فيه حيلة ولا وسيلة، وقد عمت البلوى، والناس لا يتزحزحون عن هذا الاعتقاد، قال: "إلى أن آل أمر الحجاز إلى الملك عبد العزيز بن سعود منذ بضع عشرة سنة، فلم تمض سنة واحدة، حتى انقلب الحجاز من مسبعة تزأر فيها الضواري، في كل يوم بل في كل ساعة، إلى مهد أمان وقرارة اطمئنان، ينام فيها الأنام بملء الأجفان، ولا يخشون سطوة عاد ولا غارة حاضر ولا باد، وكأن أولئك الأعراب الذين روعوا الحجيج مدة قرون وأحقاب لم يكونوا في الدنيا، وكأن هاتيك الذئاب الطلس تحولت إلى حملان، فلا نهب ولا سلب ولا قتل ولا ضرب، ولو شاءت الفتاة البكر الآن أن تذهب من مكة إلى المدينة، أو من المدينة إلى مكة أو إلى أية جهة من المملكة السعودية، وهي حاملة الذهب والألماس والياقوت والزمرد ما تجرأ أحد أن يسألها عما معها، ما من يوم إلا وتحمل إلى دوائر الشرطة لُقَطٌ متعددة، ويؤتى بضوال فقدها أصحابها في الطرق، وأكثر من يأتي بها الأعراب أنفسهم خدمة للأمن العام، وإبعاداً للشبهة عنهم وعن ذويهم، فسبحان محول الأحوال، ومقلب القلوب، ووالله لا يوجد في هذا العصر أمن يفوق أمن الحجاز، لا في الشرق ولا في الغرب، ولا في أوروبا ولا في أمريكا، وقد تمنى المستر كراين الأمريكي صديق العرب الشهير في إحدى خطبه أن يكون في وطنه أمريكا الأمن الذي رآه في الحجاز واليمن، وكل من سكن أوروبة وعرف الحجاز في هذه الأيام يحكم بأن الأمنة على الأرواح والأعراض والأموال في البقاع المقدسة هي أكمل وأشمل وأوثق أوتادا، وأشد أطنابا منها في