إلى أن قال: "ولهذا كان سلاطين الإسلام من وقت إلى آخر، ينذرون من أمراء الحرمين من كانوا يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، ولقد ذهب مثلا ذلك الكتاب الذي كتبه أحد سلاطين مصر من المماليك، إلى أحد أمراء مكة المكرمة وهو الذي يقول فيه: "اعلم أن الحسنة في نفسها حسنة، وهي من بيت النبوة أحسن، والسيئة سيئة، وهي من بيت النبوة أسوأ، وقد بلغنا أنك بدلت حرم الأمن بالخيفة، وأتيت ما يحمر له الوجه وتسود الصحيفة، فإن وقفت عند حدك، وإلا أغمدنا فيك سيف جدك ".
إلى أن قال: "قد بقيت مع الأسف أحوال الحجاز غير مستوية وأعراب البادية يسطون على الحجاج، وليس لداء معرتهم علاج، وكانت كل من الدولة العثمانية والدولة المصرية ترسل طوابير من الجند النظامي مصحوبة بالمدافع وسائر آلات القتال لأجل خفارة قوافل الحج، وتؤدي إلى زعماء القبائل الرواتب الوافرة، وكل هذا لم يكن يمنع الأعراب ومن لا يخاف الله من الدعار من تخطف الحجاج في كل فرصة تلوح لهم، وكثيرا ما كانت قافلة الحج تضطر إلى الرجوع، وقد فاتها الحج أو الزيارة، بعد أن قصدوا ذلك من مكان سحيق، وتكلفوا بذل الأموال، وتجشموا مشاق الأسفار، في البر والبحر، فكانوا يذوبون من الشوق على ما فاتهم، ويتحرقون من الوجد، ويبكون بصيب الدمع، والناس بأجمعهم يحوقلون، ويقولون: ليس لها من دون الله كاشفة، ذاهبين إلى أن سطو الأعراب هؤلاء داء عضال، لا تنفع فيه حيلة، ولا وسيلة، وقد عمت بهم البلوى، وإلى الله المشتكى، وهكذا توالت القرون والحقب، والناس على هذا الاعتقاد لا يتزحزحون " [21] .
وكان التعصب المذهبي قد بلغ ذروته، حتى وصل بهم إلى أن تقام في المسجد الحرام أربع جماعات في الصلاة المفروضة، لكل أهل مذهب جماعة وإمام ومقام، وقد رأيت أبنية هذه المقامات في المسجد الحرام، وهذا وأمثاله لاشك له الأثر البالغ في تفريق جماعة المسلمين، وتمزيق صفوفهم.