وقال الأمير شكيب أرسلان: "توالت على بلاد الإسلام المقدسة قرون وأحقاب، كانت فيها أشد البلاد افتقارا إلى الإصلاح وأقربها إلى الفوضى، وأقلها أمنة سبل، وراحة سكان، وأكثرها عيثا وفسادا، وكانت هذه الحالة فظيعة جدا، مخجلة لكل مسلم، مرمضة لكل مؤمن، حجة ناصعة للأجانب على المسلمين، الذين لا يقدرون أن ينكروا ما في الحجاز من اختلال السبل، واضطراب الحبل، مع كونه هو مهد الإسلام، ومركز الحجيج العام في كل عام، إلى بيت الله الحرام والمشاعر العظام، ومهوى قلوب يتأجج بها الغرام، لزيارة مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام
كان الأجانب يستظهرون بهذه الحالة على دعوى أن الإسلام لا يلتئم مع العمران، وأنه هو والفوضى توأمان، وأنه لو كان دينا عمرانيا لما كانت تكون هذه الحالة السيئة في مركزه، ولما عجز عن إقامة العدل في مأرزه.
وحقيقة الحال هي: أن تلك الفوضى لم تنشأ إلا عن إهمال العمل بقواعد الشرع الإسلامي، وعن إرخاء العنان لبعض الأمراء الذين كانوا يلون أمر الحجاز، مدلين على الناس بما لهم من النسب النبوي الشريف، الذي كان يحول بين سلاطين الإسلام وبين تشديد الوطأة عليهم أو إرهاف الحد فيهم، وقد كان هذا من خطل الرأي، ومن التقصير في جانب الشرع، فإن الشريعة الإسلامية لا تعرف نسبا ولا حسبا، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} .