وقد استطاع أعداء الإسلام على يد تلامذتهم الفكريين أن يحطموا وحدة العالم الإسلامي, ويهدموا بنيان أخلاقه وعقيدته, فإذا الروح القومية تجعل المسلمين دويلات يسهل على المستعمرين اقتسامها, وإذا تحررت المرأة من حيائها, وتحرر الرجل من أخلاقه, يهدم في المسلمين تماسكهم, ويميت روح الجهاد في نفوسهم, فيميلون إلى تخنث, والاستمتاع بالدنيا شهواتها, وإذا باحترام المسلمين للغربيين والشعور بالنقص أمامهم وأمام حضارتهم الزائفة يجعل من المسلمين تلاميذ متواضعين, يقفون كالمتسولين, يأخذون كل ما تجود به فضلات موائد المستعمرين من أفكار هدامة وفلسفات منحرفة وأنظمة مخالفة لطبيعة البلاد الإسلامية.

ويقف المسلمون المخلصون متألمين, بينما يبيت المستعمرون الخبثاء ناعمي البال, وقد حمل عنهم بعض المسلمين الأغبياء التهديد والتخريب وكفوهم مؤونة الحرب.

وهكذا نرى أن استعمار أفكار الأمة أخطر من استعمار بلادها, ومرافقها العامة, وأن الدول الأجنبية مهما ملكت من طاقات جبارة لا تملك أن تخطط للمسلمين وأن تقودهم وفق مصلحتها بشكل أفضل مما يقوم به العملاء المنحرفون من خدمة لهذه الدول الأجنبية والعمل في مخططاتها.

ولا يفوتني أن أنبه إلى أنني لا أرى أن حالة المسلمين قبل احتكاكهم بالغرب وتأثرهم به كانت حالة مرضية, لا فقد كانت أوضاعهم سيئة, ولكن هذا العالم الإسلامي الذي صحا على أصوات المدافع الغربيين تدك حصونه, وتقتل أبناءه, كان عليه أن يلتمس طريقه الصحيح, ويبني قوته على أساس متين, ويقتبس من الغرب ما ينفعه ويهجر ما يضر, ولكنه لم يفعل بل تخبط في مسيرته, وانحرف اتجاهه, حتى وصل إلى حالة من الضعف مزرية.

رب يوم بكيت فيه فلما

صرت في غيره بكيت عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015